الخميس، 23 ديسمبر 2010

ولادة جديدة للاتحاد المغربي للشغل


حدثان بارزان طبعا سنة 2010 وتصدرا مشهدنا الوطني، الأول تدثر بوشاح أسود لنعي وفاة الزعيم التاريخي لأقدم وأكبر مركزية نقابية بالمغرب، المحجوب بن الصديق، والثاني ازدان بياقة زرقاء ليبشر بولادة جديدة للاتحاد المغربي للشغل بعد عقد مؤتمره الوطني العاشر وانتخاب قيادة جديدة لأجهزته الوطنية، تحت شعار: «الوفاء لهوية الاتحاد ومبادئه: أساس كفاحنا لتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية».

مؤتمر تزامن انعقاده مع الذكرى 58 لانتفاضة 8 دجنبر1952 الشعبية بالدار البيضاء ضد اغتيال الزعيم التونسي فرحات حشاد، والتي مثلت منعطفا تاريخيا في نضال الحركة النقابية المغربية وحركة الكفاح من أجل الاستقلال الوطني على حد سواء، ومحطة بارزة في مسار تضامن الطبقة العاملة والشعوب على صعيد المنطقة المغاربية بل وفي مجرى التشبت بالهوية العمالية في النضال النقابي وبالإرادة الشعبية في التصدي لكل مقايضة للسيادة الوطنية.
وكل متتبع موضوعي للمسار التاريخي لهذه القلعة الكفاحية للطبقة العاملة المغربية من أجل استقلال الوطن وسيادته والتوزيع العادل للثروة الوطنية، لا يمكنه إلا أن يقر بدور الاتحاد المغربي للشغل في تأسيس الحركة النقابية المغربية، وفي إرساء المبادئ والقواعد الأساس للعمل النقابي، وتحصين استقلاليته، وتكريس تقاليده في النضال النقابي والتضامن العمالي الوطني والأممي، وهذا فضلا عما راكمه من رصيد نضالي وطني واجتماعي وما تزخر به ذاكرته الجماعية من ذخيرة وثائقية تؤرخ  لما يزيد عن نصف قرن من الأحداث التاريخية للمغرب.
فعلى مدار ما يزيد عن نصف قرن، ظل الاتحاد المغربي للشغل متشبثا باستقلالية إطاره النقابي، مناصرا لوحدة الطبقة العاملة ومتصديا لكل محاولة لشق صفوفها وتفييئ مطالبها بدعوى التعددية النقابية أو بخلفية تذييل الحركة النقابية لتوجهات سياسية أو حزبية، بل وظل بؤرة للكفاح الوطني والنضال الاجتماعي وجبهة من جبهات نضال الحركة الوطنية المغربية بمختلف حساسياتها السياسية والحزبية، قبل انفراط عرى تلك الجدلية الحادة بين مكوناتها وانكسار شوكة وحدتها في لجة من الاستقطابات الحزبية والتقاطبات السياسية، كما جاء في بعض كتابات مؤرخ الحركة النقابية المغربية الأستاذ ألبير عياش. 
وتثور هذه الجدلية اليوم، لتتصدر وثائق المؤتمر العاشر للاتحاد، كبوثقة تسطر على أن الاتحاد المغربي للشغل، كقوة اجتماعية أساسية في البلاد، حليف طبيعي لكل «من يتبنى مطالب وقضايا الطبقة العاملة ويحترم استقلال قراراتها ووحدتها النقابية التنظيمية وله مشروع مجتمعي يخدم مصالحها، ويرتكز على العدالة الاجتماعية الضامنة للتوزيع العادل للثروات وعلى مناهضة هيمنة الإمبريالية والرأسمالية المتوحشة والتسلط الرجعي من أجل انعتاق شعبنا من الاضطهاد والاستغلال وبناء مجتمع ديمقراطي يتمتع فيه كل المواطنات والمواطنين بكافة حقوق الإنسان».
بوثقة وإن كانت لا تعدم إمكانات التحالفات المرحلية أو المحورية حول ملف اجتماعي معين في إطار برنامج مشترك، فإنها تضل بزخمها قوة دفع قوية لليسار المغربي ومشروعه الديمقراطي الحداثي التقدمي.
لذا كان الاتحاد المغربي للشغل حريصا أشد ما يكون الحرص على أن يشكل مؤتمره الوطني العاشر بوثائقه ومقرراته وقوانينه وتشكيلة أجهزته الوطنية وقيادته الجماعية، قطيعة مع عهد الزعامات وعبادة الشخصية وإزاحة لكل أشكال الحجر والوصاية على القرار الديمقراطي، وإقرارا علنيا بأن تعزيز التعددية السياسية والحزبية داخل مركزيته النقابية صمام أمان لوحدة إطارها ومناعته.
وحري بنا أن نستحضر في هذا السياق، تجربة الشهيد عمر بن جلون، الذي ورغم صراعاته المريرة داخل الاتحاد المغربي للشغل وخروجه لتأسيس نقابة البريد التي وجد فيها البعض ضالته المنشودة  للتناسل النقابي، لم يضع يوما هذه المبادئ وهذه الهوية موضع تساؤل، بحيث لم يهادن قط دعاة التعددية النقابية ولم تستدرجه انتقاداتهم للبيروقراطية النقابية وغياب الديمقراطية الداخلية دون نعته لها بالحق الذي يراد به باطل.
ويكفي التمعن فيما جلبه مسلسل تفريخ الإطارات النقابية منذ ستينيات القرن الماضي، من تشرذم وتفتت للوحدة النقابية حد أن صار لكل حزب نقابته، للوقوف على مدى الأزمة التي تتردى فيها الحركة النقابية المغربية اليوم ومضاعفاتها على حقوق الطبقة العاملة ومكتسباتها.
أزمة تفاقمت في ظل عولمة الاقتصاد وتوحش الرأسمال وهيمنة دوائر الطغمة المالية على دورة الاقتصاد العالمي وعلى قسمة العمل الدولي، وبفعل الطفولية النقابية ونزوعها الانقسامي لتفييئ مطالب الشغيلة واستخدامها بدل خدمتها. 
أزمة كانت حاضرة في قلب أشغال المؤتمر العاشر، وفي صميم أرضية المرحلة الانتقالية للمركزية النقابية وآفاقها، وكذا فيما سطرته مقرراته من مهام محورية بغاية شحذ الأدوات التنظيمية للاتحاد وإعادة تأهيل أطره النقابية ودمقرطة حياته الداخلية ونهج الشفافية في تدبير ماليته واعتماد التكنولوجيات الحديثة لتحديث أدواته الإعلامية والتواصلية والتكوينية والتثقيفية، في أفق وضع قاطرة الطبقة العاملة على سكة الوحدة النقابية.
أرضية ومقررات أعلنت عن ولادة جديدة للاتحاد المغربي للشغل كنقابة أصيلة، والتي من شأنها حسب العديد من المهتمين أن تدفع بحركة تصحيحية داخل الحركة النقابية المغربية المطالبة اليوم بتقويم الانحرافات ولحم وحدة الاصطفاف والتضامن لصيانة الحقوق وتحصين المكتسبات وتعزيز الحريات النقابية وبناء دولة الحق والقانون ومغرب الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ومدعوة أيضا للتموقع بقوة داخل الاتحادات النقابية والعمالية الدولية لتجاوز قوقعة النضالات المحلية ومحدودية فاعليتها في صد هجمة الرأسمال المتوحش على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية  للشغيلة ونهبها الممنهج  لثروات الشعوب والأمم وتسلطها على حقها غير القابل للتصرف في التنمية والكرامة الإنسانية.
وعليه وبدون قهر التحديات المنتصبة في طريق وحدة الحركة النقابية المغربية، والمتمثلة أساسا في الأعطاب الذاتية والموضوعية التي تحول واستيعاب التحولات المشهودة في عالم اليوم، وفي تكلس بنيات العمل النقابي واستلابات بيروقراطييها، وفي تبلد الحس النقدي والتقييمي للتراجعات والانكسارات كما للتقدم والتوثب، فليس هناك من ملح يقي لحمة الحركة النقابية من ديدان التفسخ والتآكل، غير النهوض المبرمج والهادف بغية مواكبة التطورات والمتغيرات المتسارعة وحلحلة أزمة الحركة النقابية  وفق المعطيات الجديدة لعصر أحادي النمط والقطبية، صار يعولم سطوة الرأسمال المتوحش بقدر ما بات يعولم جبهات النضال الأممي بمفاهيم ومعادلات سياسية جديدة  ومنحنيات أفقية وعمودية للتكثل والوحدة. 
ففي عصر أخطبوط  الشركات متعددة الأوطان وحكومتها الفوق عالمية، فلا بديل للحركات النقابية عن الانخراط في جبهات النضال العالمي وحركاته الاجتماعية ضد وضع مصير بيئة الإنسان وكونية حقوقه بين فكي الرأسمال المتوحش ومن أجل عولمة بديلة ونظام اقتصادي عالمي جديد.
فعبر هذه التقاطعات بين الكفاحات النقابية المحلية وعمقها الاجتماعي وجبهات النضال النقابي والحركات الاجتماعية العالمية، تنبري الحركة النقابية بتعددية جنسياتها وزخم أشكالها النضالية، كقوة وازنة في رصد سلوك الشركات العابرة للقارات واستنفار كل مواطن قواها الضاربة لمواجهة أخطبوط هذه الشركات أنما تتواجد أذرعه.
فعلى أرضية هذه الجبهات والأدوار الطليعية للنقابات،  تجد طموحات شعوب العالم الثالث للخروج فيما تتخبط فيه من أزمات بنيوية، غذائية ومالية، اقتصادية واجتماعية وأيكلوجية، وما تؤديه من فواتير في ضل الأزمة المالية الدولية ،عناوينها البارزة في مطالبتها بمراجعة النظام التجاري والمالي العالمي، وفتح مفاوضات حول المديونية الخارجية وخدماتها التي باتت تمتص التوازنات الاقتصادية لهذه البلدان ووقف مسلسلات خوصصة القطاع العام وبيع مؤسساته في المزادات العلنية وتقليص دور الدولة في التدبير العمومي وإطلاق أيادي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية لتفخيخ سيادتها الوطنية وتعويق مسارها الديمقراطي الحداثي .
وعلى هذه الأرضية وعليها لوحدها ، يمكن تلمس المخارج  لأزمة الحركة النقابية وصياغة عناصر الجواب على إشكاليات فعلها ووحدتها ، وعلى هذا الأساس  تكتسب  مبادئ إستقلالية وديمقراطية وتقدمية الحركة النقابية مضمونها الحقيقي ودلالاتها العميقة .


هنا مصدر الخبر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق