الخميس، 26 نوفمبر 2009

مساق نقابة نحو أفول أكيد


المؤتمر الثالث للجامعة الوطنية لعمال الطاقة إ م ش
مساق نقابة نحو أفول أكيد
رشيد بوصيري
انعقد يومي 14 و15 نوفمبر 2009 بالمقر المركزي للاتحاد المغربي للشغل المؤتمر الثالث للجامعة الوطنية لعمال الطاقة، ولقد أسفر المؤتمر كما كان مؤكدا " وليس متوقعا لأن التشكيلة حُسمت سلفا " عن استحكام مجلس الأعمال الاجتماعية للمكتب الوطني للكهرباء في نقابة الكهربائيين، حيث عُينَ " ولم يُنتخب " رئيس مجلس الأعمال الاجتماعية المسمى محمد زروال كاتبا عاما للنقابة فيما أسندت المهام المحورية في النقابة لصالح المقربين منه في ذات المجلس.
هذه خلاصة سريعة للحدث، وللوقوف على مساقه التاريخي وعلى العناصر الموضوعية التي أعطت لأعضاء مجلس الأعمال الاجتماعية القوة المادية والمعنوية لحيازة النقابة لصالحهم، تجدون بعده الخلاصات التالية.
نهاية … وبداية
في مارس 2004 قرر المحجوب بن الصديق إبعاد الراحل محمد عبد الرزاق، ذلك الرجل الذي ارتبط اسمه بنقابة الكهربائيين ومجلسهم الاجتماعي لحد أن الجهازين تداخلا في بعضهما وشكلا قوة ضاربة لصالح الراحل ولصالح الاتحاد المغربي للشغل حيث كان مجلس الأعمال الاجتماعية بمثابة منجم ذهب لبعض رموز هذه المركزية بالبيضاء.
هذه النهاية، أما البداية فهي عندما تلقفت مجموعة من الذين أعياهم الانتظار أمام باب الراحل عبد الرزاق، فوجدوا الفرصة سانحة للانقضاض على هياكل الجامعة الميتة أصلا، منهم محمد زروال الذي قال في كلمة له أمام المجلس الوطني للجامعة فور طرد عبد الرزاق وكانت الأمانة الوطنية حاضرة: "… لكنه "عبد الرزاق" بطبيعته البشرية لم يعد قادرا على تحمل المسؤولية وبالتالي أصبح تواجده على رأس الجامعة يشكل خطرا حقيقيا على حقوق ومكتسبات الكهربائيين… إن إشارات هذا الوضع المزري بدأت تظهر منذ بداية التسعينات، حين دق مجموعة من المناضلين ناقوس الخطر ونادينا بالتغيير وضخ دماء شابة تضمن الاستمرارية للجامعة … حينها ووجيهنا بمقاومة شرسة أسهم فيها الكل وبتواطئ سافر مع الإدارة لأنه ومع الأسف الشديد كانت الجامعة عبارة عن محمية خاصة ممنوعة على من لم يبلغ سن الرشد… فراغ نقابي خطير وكاتب عام حالته الصحية لا تسمح له بتاتا بتحمل المسؤولية. أمام هذا الوضع المتردي الخطير لم يبقى أمام الأخ الأمين العام أي خيار إلا إعفاء أخينا محمد عبد الرزاق من مهامه النقابية داخل الأمانة الوطنية وطلب من الإخوة الإشراف على التنظيم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه…"
المؤتمر الثاني
ثلاث أشهر بعد هذا الحدث كانت كافية للأمانة الوطنية لتُعد الخلف لعبد الرزاق حيث أنه في 28 و29 مايو 2004 سينعقد المؤتمر الثاني للجامعة ليسفر ليس على زروال ومن معه في الأعمال الاجتماعية (سأسميهم فريق زروال فيما سيأتي) لا بل سيأتي بن الصديق برجل يثق فيه وهو محمد الطركزي الذي كان حينها متقاعدا عن العمل، وكان مكلفا بتدبير التناقضات التي خلفها عبد الرزاق.
طبعا لم يستسغ فريق زروال هذا الواقع الجديد لكنهم تقبلوه على مضض. وبدؤوا بتفكيك عناصر القوة في المكتب الوطني الجديد تحييدا للأعضاء المؤثرة والتي تشكل خطرا عليهم، خاصة إذا علم أن أعضاء مجلس الأعمال الاجتماعية يقفون على ثروة هائلة " في حدود 14 مليار سنتيم ميزانية سنة واحدة" يتصرفون فيها بحرية شبه مطلقة، هذا الوضع الاجتماعي انعكس على الواقع النقابي لأن من يملك العمل الاجتماعي يمتلك القرار في نقابة الكهربائيين.
بين مؤتمرين
إزاء ذلك سيبدأ الفريق المتحكم في الأعمال الاجتماعية بالتحرك اتجاه مركزة القرار والقوة النقابية للجامعة الوطني لعمال الطاقة عبر الإنجازات التالية:
26 أبريل 2005: قررت اللجنة الإدارية للجامعة خوض إضراب وطني مدته 3 ساعات وقد كان فريق زروال خارج المغرب. وهذه ليس مصادفة بل إن أعضاء المكتب الجامعي كانوا يرتابون في موافقتهم على قرار الإضراب بسبب شكوك بدأت تحوم حول علاقتهم بالإدارة العامة - ما يؤكد هذا المعطى هو أن زروال لحد الساعة لا يفوت أي جمع عام مع النقابيين دون التبرئ من إضراب 2005- لكنهم استغلوا أخطاءً صاحبت الإضراب فأقنعوا الكاتب العام بطرد عضو المكتب الوطني ميلودي مشعال وقد كان لهم ذلك.
أشير هنا أن طرد مشعال في سلم أولويات فريق زروال لم يكن بسبب تكسير الإضراب في منطقة الشمال، فهذا ذنب صغير (عند فريق زروال) لا يعاقب صاحبه بالطرد من الجامعة خاصة إذا كان عضوا بالمكتب الوطني وهو النائب الثالث للكاتب العام، إنما السبب الحقيقي هو اغتنامهم لهذه الفرصة التاريخية للقضاء على منافس له قوته في الجامعة وهذا ينخرط كما أسلفنا في سياق "مركزة القوة النقابية".
27 نوفمبر 2006: بتواطئ مكشوف مع إدارة الموارد البشرية سيتم تعيين مكتب جديد للصندوق التكميلي وللعمل الاجتماعي ومنحوه تخصصا وحيدا هو التأشير على تحويل ممتلكات الكهربائيين الاجتماعية إلى المكتب الوطني للكهرباء.
10 أبريل 2007: مرة أخرى ستلتقي إرادة الإدارة مع فريق زروال في طرد عضو المكتب الوطني مصطفى مسيوي ورئيس مكتب التعاضدية، وتم تعويضه بشخص مقرب من هذا الفريق.
23 أكتوبر 2007 : في اجتماع للمكتب الوطني للجامعة كان جدول أعماله هو التحضير لعقد المؤتمر الثالث، وحيث أن كل أعضاء المكتب الوطني كانوا مع قرار تنظيم المؤتمر باستثناء فريق زروال، فإن هذا الأخير استعمل جميع الوسائل للحيلولة دون عقده لأنهم لمن يعدوا العدة بعد للسيطرة على الجامعة.
22 نوفمبر2007: قام عمال مراكز الاصطياف التابعة لمجلس الأعمال الاجتماعية بوقفة احتجاجية ضد تماطل المجلس – يرأسه زروال وهو هنا بمثابة المُشغل–  في فتح حوار مع نقابة عمال مراكز الاصطياف إزاء ملفهم المطلبي وتضامنا مع بعض المطرودين من مركز أكادير، فكان جواب زروال وفريقه سريعا حيث قام بطرد الكاتب العام للنقابة من العمل وبدون تعويض. مع العلم أن النقابة تأسست تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، وقد اتصل الكاتب العام المطرود – السيد عادل الشيب – بكل الهياكل المحلية والوطنية للمركزية وكذا الأمانة العامة إ م ش دون مجيب.
16 يونيو 2009: قام محمد زروال بطرد الكاتب العام للجامعة – محمد الطركزي- من مقره واستولى على مكتبه وطوابع ووثائق الجامعة، الهدف المعلن هو أن الكاتب العام يبتزهم ماليا ولا يريد عقد المؤتمر الوطني للجامعة. في نفس اليوم سيعقد الكاتب العام اجتماعا بمقر إ م ش ليعلن عن الأسباب الحقيقية وراء هذا الفعل ويحذر من مخططات هذا الفريق الرهيبة. بعد هذا التاريخ سيقوم فريق زروال بتأسيس مكاتب جهوية بالتعيين أو بالتزوير والضغط على كتاب الجهات من أجل تزكية الانقلاب، واستعمل معهم مقولة بوش "من ليس معي فهو ضدي".
14 يوليوز2009: اجتمع المكتب الوطني للجامعة بحضور ميلودي موخاريق – غاب الكاتب العام لكونه كان مسافرا للخارج - قصد المصالحة وإرجاع الأمور إلى ما كانت عليه قبل 16 يونيو واتفقوا على أن الكاتب العام الشرعي لازال هو السيد الطركزي وأن المكاتب المستحدثة بعد ذلك التاريخ تعد في حكم العدم، واتفقوا على أن المؤتمر سيعقد بعد ثلاث أشهر وتكلموا عن لجنة تحضيرية تضم جميع الأطراف.
الكل ظن أن المشكل تم احتوائه وأن الجامعة ستذهب مجتمعة للمؤتمر، لكن بعد ثلاث أشهر من الترقب – كانت الساحة النقابية منشغلة بانتخابات ممثلي المأجورين والغرفة الثانية - سيتأكد أن فريق زروال أقنع الميلودي موخاريق بالقطع مع الكاتب العام ومع النقابيين المحسوبين عليه.
24 أكتوبر 2009: عقد فريق زروال اجتماعا لثلاث مكاتب جهوية القنيطرة، مكناس، وفاس. وكان الاجتماع في هذه الأخيرة نظرا لقوتها التاريخية ولأنها الجهة الوحيدة التي أعيدت فيها الانتخابات بشكل كامل للتخلص من المناضلين الأحرار لكن العمال في كل مرة كانوا يمنحون ثقتهم لممثليهم الشرعيين. كان لقاء فاس يحمل رسائل متعددة لكل المناضلين في المغرب… قاطع الاجتماع مجموعة كبيرة من نقابيي فاس على رأسهم الأخ يوسف الراضي عضو المكتب الوطني والأخ عبد العزيز العمري الكاتب الجهوي.
31 أكتوبر 2009: قام زروال بتعيين مكتب نقابي لجهة فاس وذلك بتجميع مجموعة من أتباعه الذين يعدون على رؤوس الأصابع، اتصل بهم بالهاتف وكلفهم بتشكيل مكتب جهوي (ليلة الجمعة 30 أكتوبر) ، ثم أرسل (يوم السبت 31 أكتوبر) عضوان من المكتب الوطني (شهبوبي وغطي) قصد تعيين المكتب الجديد. وقد تزامن هذا الانقلاب مع زيارة قام بها أعضاء الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل لمدينة فاس (في نفس اليوم) على رأسهم ميلودي موخاريق. وقد اجتمع هذا الأخير بإلحاح من مناضلي فاس ووضعوه في السياق العام للحدث لكنه لم يحرك ساكنا بل اكتفى بتزكية زروال وأشار بالمرموز أن من لا يقبل بالمؤتمر الذي يعده فريق زروال بأنه خارج التنظيم.
بعد هذا التاريخ سيتمسك فريق زروال بالمكاتب الجديدة/غير المنتخبة وأرسل لهم دعوات المؤتمر قصد توزيعها على كل النقابيين باستثناء المناضلين الذين يعارضون هذه الطبخة الفجة لمؤتمر يفترض فيه أن يكون سيد نفسه. وهكذا فعلوا في كل المناطق.
مؤتمر .. المؤامرة
بعد كل ما مر يمكن تصور طبيعة المؤتمر وخلاصاته المعدة قبلا. وإليكم نتاج الخلطة العجيبة:
-       قاطع المؤتمر كثير من المناضلين الأحرار، منهم عضو المكتب الوطني للجامعة الأخ فضيل، وعضو المكتب الوطني للجامعة الأخ الراضي، وهما في نفس الوقت ممثلون رسميون لفئة المهرة والأطر. كما قاطعه الكاتب الجهوي لفاس وتطوان والشاون ومناضلون بفاس وتازة ومراكش، كما لم يستجيب الكاتب العام الطركزي لدعوة الأمانة الوطنية للحضور الشرفي. وآخرون من المناضلين الأحرار حضروا للمؤتمر ليكونوا شهودا للتاريخ على المهزلة.
-       افتضح فريق زروال أمام النبهاء من المؤتمرين حيث سقط مرات عديدة في اختلالات تنظيمية وقانونية
-       منع المؤتمرون من المداخلات في كل أطوار المؤتمر، حيث لم يتدخل إلا كتاب الجهات وقرؤوا كلمات صودق عليها مسبقا(وهذه ليست صيغة مبالغة بل حقيقة مسوغة بالاستبداد المقيت).
-       لم يتم التصويت على أي مقرر تنظيمي ولا تقرير أدبي أو مالي للجامعة، ولا خضعت عملية اختيار أعضاء اللجنة الإدارية ولا المكتب الوطني لمسطرة الانتخاب. 
-       أعلن عن 85 عضوا في اللجنة الإدارية و 21 عضوا في المكتب الوطني. وهذا يعكس حجم الاختلالات في نقابة أراد أصحابها ضمان الولاءات بتوسيع دائرة المستفيدين من مسؤوليات ولو كانت صورية.
-       أولى انعكاسات المؤتمر الثالث هو تساؤل أطر ومستخدمي المكتب الوطني للكهرباء عن البديــــل؟

هنا مصدر المقالة