حين هبت موجة التغيير على الأمة تعالت أصوات رسمية وشبه رسمية متحدثة عن "الاستثناء المغربي" ومتجاهلة حقيقة الوضع في بلادنا التي ترزح منذ قرون تحت نير الفساد والاستبداد، وسرعان ما فضح الواقع كذب هذه الادعاءات، حيث أبدى شباب غيور على مصلحة البلاد رغبته في التحرك بهذا النفس التغييري.
وانخرط شباب الجماعة في هذا الحراك منذ اليوم الأول بنكران ذات، وبذل وتضحية، وفق ضوابط ظلت تؤطر هذا الانخراط: التشاركية والسلمية والاستمرارية والجماهيرية. وكانوا في كل ذلك حريصين على تغليب قيم التقارب والتعاون وتكاثف الجهود.
و كان رد النظام المخزني الالتفاف والمناورة والخديعة، بدء بخطاب مارس الفضفاض والغامض، ومرورا بالتعديلات الدستورية الشكلية التي حافظت على الروح الاستبدادية لنظام الحكم، وبعض الخطوات الترقيعية في المجال الاجتماعي والحقوقي، ثم انتخابات مبكرة شبيهة بسابقاتها في الإعداد والإشراف، وانتهاء بالسماح بتصدر حزب العدالة والتنمية لنتائجها وتكليفه بقيادة حكومة شكلية دون سلطة أو إمكانيات قصد امتصاص الغضب الشعبي لإطالة عمر المخزن وإجهاض آمال الشعب في التغيير الحقيقي وتلطيخ سمعة الإسلاميين، وإضفاء الشرعية الدينية على الإسلام المخزني الموظف للدين قصد تبرير الاستبداد.
وأرفق النظام كل هذا الخداع بحملات القمع والتشويه وبث الفرقة بين شباب ومكونات هذا الحراك، ونالت جماعة العدل والإحسان نصيبا وافرا من هذه الحملات.
وكان شباب وشابات الجماعة، تقبل الله من الجميع، في مستوى اللحظة حيث حرصوا على تغليب مصلحة الحراك تقوية للعمل المشترك وتعزيزا للثقة وتوجيها للجهود إلى أصل الداء: الاستبداد المخزني المستأثر بالثروة والسلطة.
وقد حقق هذا الحراك، بفضل الله تعالى، الكثير من النتائج منها كسر حاجز الخوف وسط عموم الشعب، واسترجاع الثقة والأمل، وامتلاك الشارع للمبادرة، وإطلاق سراح بعض المعتقلين، وبعث حركية جديدة في المجتمع، وكان من تجليات ما ذكر النجاح الباهر لحملات مقاطعة الاستفتاء والانتخابات، والفشل الذريع لكل المبادرات المخزنية الالتفافية.
لكن الحركة حفلت بمن جعل كل همه كبح جماح الشباب، أو بث الإشاعات وتسميم الأجواء، أو الإصرار على فرض سقف معين لهذا الحراك وتسييجه بالاشتراطات التي تخرجه من دور الضغط في اتجاه التغيير الحقيقي إلى عامل تنفيس عن الغضب الشعبي، أو تحويله إلى وسيلة لتصفية حسابات ضيقة مع خصوم وهميين، أو محاولة صبغ هذا الحراك بلون إيديولوجي أو سياسي ضدا على هوية الشعب المغربي المسلم في تناقض واضح مع ما يميز حركة الشارع في كل الدول العربية.
إننا، استحضارا لكل ما سبق، نعلن توقيف انخراط شبابنا في حركة 20 فبراير التي كنا، وما نزال، مقتنعين بمشروعية مطالبها وبحق الشعب في الاحتجاج السلمي بمختلف أشكاله، وسنبقى داعمين لجهود كل قوى التغيير ومساهمين في التصدي لكل من يستهدفها ويضيق عليها.
ونعلن للرأي العام ما يلي:
1- وفاءنا لأرواح الشهداء، رحمهم الله، الذين سيبقون شهودا على فظاعة جرائم هذا النظام المخزني ومقاومته لكل محاولات الإصلاح والتغيير.
2- مطالبتنا بإطلاق سراح كافة معتقلي الحركة، وكل المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي.
3- شكرنا وتقديرنا لشباب الجماعة وكل فئات الشعب، سواء داخل المغرب أو خارجه، الذين لم يبخلوا بكل ما يملكون لدعم هذا الحراك طيلة هذه الأشهر.
4- ثباتنا على مبادئنا في الدفاع عن حقوق هذا الشعب المستضعف بكل الوسائل المشروعة في وجه الظلم والقهر والاستبداد والفساد، إلى أن تتحقق سنة الله سبحانه في القوم الظالمين.
5- دعوتنا كل الفضلاء إلى الاصطفاف إلى جانب القوى المطالبة بالتغيير ضد نظام مخزني عتيق أثبتت هذه المدة أنه مقاوم للإصلاح ومصر على الاستمرار بنفس العقلية والمنهجية الاستبدادية.
6- دعوتنا كل فئات الشعب إلى اليقظة والمشاركة الإيجابية من أجل مغرب تسوده الحرية والكرامة والعدل.
7- تأكيدنا أن استمرار المخزن في مواجهة جيل جديد من الشباب بوسائل عتيقة مقاربة فاشلة ومفلسة، وإن الحرص على رعاية الفساد والريع والاستبداد وهضم الحقوق والتضييق على الحريات وإهدار الكرامة سيغذي الحقد والنقمة، وكل هذا لن يقود إلا إلى فتنة قد تأتي على الأخضر واليابس. وقانا الله شر الفتن.
8- دعوتنا المنتظم الدولي إلى الكف عن دعم أنظمة التسلط التي تتصدى لحق الشعوب في الحرية والكرامة والعدل،فالآليات الديمقراطية كل لا يتجزأ، وصيانة المصالح المشتركة لا تتم إلا في ظل حكم راشد يسنده شعب يملك الكلمة الأولى والأخيرة في تدبير شأنه العام.
9- تأكيد دعوتنا إلى حوار مجتمعي وميثاق جامع يوحد الصف ويجمع الجهود لبناء نظام عادل ومغرب تتساوى فيه الفرص وينعم فيه الجميع بحقوقه وتوظف فيه كل ثرواته لصالح المغاربة في كل ربوع المغرب.
لقد علمتنا سنة الله في التاريخ أن الأنظمة التسلطية تستطيع أن تناور وتمكر وتكسب بعض الوقت، لكن الأكيد أن موعود الله لا يتخلف وأن النصر متحقق للشعوب القائمة في وجه الاستبداد والجبروت.
نسأل الله جل علاه أن يحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل سوء وأن يوفق الأمة لما فيه عزها في الدنيا وسعادتها في الآخرة.
﴿ الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله. وكفى بالله حسيبا ﴾ .
د. أمكاسو: قرار توقيف نشاطنا داخل 20 فبراير أملته العديد من الأسباب
تسليطا للمزيد من الضوء على قرار جماعة العدل والإحسان وقف مشاركتها في حركة 20 فبراير، استقى موقع الجماعة نت تصريحا من الدكتور عمر أمكاسو، عضو مجلس إرشاد الجماعة والأمانة العامة للدائرة السياسية، قال فيه بأن قرار التوقيف "نابع من اقتناع حر ومسؤول وواضح مع أبناء الشعب الذين خرجنا دفاعا عن مصالحهم ومطالبهم، وواضح أيضا مع شركائنا في الحركة، على نفس القدر من الوضوح والمسؤولية التي تحملناها عندما اتخذنا قرار المشاركة في هذه الاحتجاجات الشعبية وانخراطنا في الحركة يوم 20 فبراير" .
واسترسل الدكتور أمكاسو موضحا "يشهد كل منصف وموضوعي ومتتبع بأنه طيلة أشهر الحراك أننا انخرطنا بكل قوة وانضباط وبذل ونكران للذات، على أساس أن حركة 20 فبراير مفتوحة في وجه جميع الأحزاب والمكونات والتيارات، منتمين ومستقلين، وهو ما يستوجب اقتسام التضحيات والجهود بقدر التشارك في التدبير والتسيير" ، وأضاف قائلا "ووقع الاتفاق الصريح والضمني على عدم فرض قضايا خاصة، غير أن الجميع لاحظ إصرار البعض على تحديد أسقف سياسية وإيديولوجية للحركة ضدا على طبيعتها الشعبية والمتنوعة والعفوية، وهي الطبيعة التي برز فيها تعطش الشعب، كما في باقي التجارب العربية، إلى التصالح مع ذاته وهويته بقدر بحثه عن حريته وكرامته، هذا ناهيك على أن البعض يريد أن يجعل من الحركة أداة للتنفيس وديكورا يزين المشهد العام وهذا ما نرفضه قطعا" ، وكشف على أن جماعة العدل والإحسان تحملت طيلة الأشهر الماضية مجموعة من السلوكات "حرصا على الوحدة وأملا في التفهم لكن مع الأسف لم يزدد الأمر إلا إصرارا" .
وبخصوص بعض التأويلات التي راجت في بعض وسائل الإعلام عن صفقة ما قد تكون وقعتها الجماعة مع جهات معينة قال أمكاسو "ليس هناك أية صفقة أو تسوية مع أي طرف لأن منهاج عملنا الدعوي والسياسي يرفض مثل هذه الآليات التي تناقض مبدأ الوضوح الراسخ في تصورنا وسلوكنا" ، واسترسل موضحا بأن بيان الأمانة العامة للدائرة الذي أعلن موقف توقيف المشاركة في حركة 20 فبراير "أكد بما لا يدع مجالا للشك ويدفع كل تأويل مبني على الظن بأن موقف جماعة العدل والإحسان، من أن الطبيعة الاستبدادية والفاسدة لنظام الحكم باعتبارها أصل كل الأزمات، ما زال قائما ولم يتغير قيد أنملة" ، وزاد مفصلا بأن قراءة الجماعة للواقع السياسي القائم لم تتغير باعتبار "الخطوات الرسمية لا تقدم شيئا سوى تعميق وتركيز لهذه الطبيعة الاستبدادية، وتزيد الوضع السياسي والمجتمعي تعقيدا وانفتاحا على المجهول" ، وختم هذه النقطة بالقول "إن جماعة العدل والإحسان لازالت تعتبر ألا شيء تغير، لأن التغيير الحقيقي ليس مرتبطا بتغيير الحكومات وإنما ببنية النظام المغربي الذي لازال يحتكر كل السلطات" .
وحول ما إذا كان هذا القرار سيدفع الجماعة إلى الانزواء وإخلاء الساحة العامة واهتمامها بقضايا المجتمع، قطع بالقول "هذا القرار لن يجعل الجماعة تنزوي وتنطوي على ذاتها بعيدا عن نبض الشارع المغربي، بل إن انخراطها في حركة 20 فبراير كان جزءا من أنشطتها وتحضره فقط شبيبتها، فنحن مستمرون في نفس مطالبنا وماضون في حراكنا ومشروعنا المجتمعي التغييري" .
وخلص الدكتور أمكاسو إلى قوله "نحن منسجمون مع مبادئنا ومواقفنا ومتشبثون بحقوقنا ولا نقبل أن يكون أي منها محط مساومة" .
وكانت الأمانة العامة للدائرة السياسية أصدرت، أمس الأحد، بيانا إلى الرأي العام أعلنت فيه وقف خروجها في احتجاجات حركة 20 فبراير التي "حفلت بمن جعل كل همه كبح جماح الشباب، أو بث الإشاعات وتسميم الأجواء، أو الإصرار على فرض سقف معين لهذا الحراك وتسييجه بالاشتراطات التي تخرجه من دور الضغط في اتجاه التغيير الحقيقي إلى عامل تنفيس عن الغضب الشعبي، أو تحويله إلى وسيلة لتصفية حسابات ضيقة مع خصوم وهميين، أو محاولة صبغ هذا الحراك بلون إيديولوجي أو سياسي ضدا على هوية الشعب المغربي المسلم في تناقض واضح مع ما يميز حركة الشارع في كل الدول العربية" .
وأكد البيان أن قرار الجماعة "غير موجه ضد أحد غير الاستبداد ومن يدور في فلكه الذي كان وسيظل في نظرنا المعضلة الجوهرية في البلد، وهو المعني الأول بهذا القرار الذي يقول له بأننا لن نكون أداة أو عامل تسكين أو جزءا من ديكور يؤثث الديمقراطية الوهمية المزيفة" .
ذ. أرسلان: "20 فبراير" أدت ما عليها ويجب البحث عن فضاء آخر ووسائل أكثر نجاعة
أجرى موقع كود حوارا مع الأستاذ فتح الله أرسلان، الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، بخصوص قرار الجماعة الانسحاب من حركة 20 فبراير، وأسبابه وتداعياته. نعيد نشره لما فيه من أفكار أخرى توضيحية لموقف الجماعة:
لا أعتقد أن القرار هدية لحزب العدالة والتنمية. فنحن نؤمن بأن الحكومة في المغرب ليست هي التي تحكم.
والكل تابع مجريات التطورات الأخيرة، التي تميزت بتزامن تعيين رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، مع تعيين مجموعة من المستشارين، وهو ما يعد إشارة على أن الحكومة الحقيقة التي ستحكم هي التي توجد في الديوان الملكي.
ومن هذا المنطلق نحن نعتقد أن الحكومة التي ستشكل لن تكون لها الصلاحيات المطلوبة لتحقيق أي تقدم في ما يعيشه المغرب، وأنه سيجري التعامل معها كما جرى التعامل مع الحكومات السابقة، التي جاءت في فترات دقيقة مرت منها المملكة، مثل حكومة عبد الرحمان اليوسفي.
وعلى هذا الأساس، فإننا لا نرى أي علاقة أو ربط بين هذا القرار وبين إعطائنا الفرصة لهذه الحكومة. وأنا أعتقد أن أي حكومة كانت، سواء تقودها العدالة والتنمية، أو حتى العدل والإحسان، لا يمكن أن تحقق أي تقدم إذا اشتغلت في ظل العقلية والشروط الموجودة حاليا.
أشرنا في البيان إلى أننا وجدنا صعوبات في التعامل داخل حركة 20 فبراير، التي دخلنا إليها ونحن نؤمن بالعمل الجماهيري والمشترك، وعدم رفع شعارات تهم أي فصيل من الفصائل..
غير أننا لا نخفي أننا وجدنا صعوبات داخل الحركة، من قبيل محاولة أطراف إما فرض سقف معين على 20 فبراير، أو فرض شعارات معينة تلاؤم توجهها هي.
ولقد حاولنا أن نصبر ونتجاوز هذه الصعوبات، وأعطينا فرصة للزمان والوقت حتى ندخل جميعا في مرحلة العمل المشترك الحقيقي التي تراعى فيها مصالح كل الأطراف، بل مصالح الشعب في الدرجة الأولى، لكن أعتقد بأننا شعرنا بأن مسألة العمل المشترك لم تنضج بعد.
سجلنا إيجابيات كثيرة في لقائنا مع الأطراف الداعمة لحركة 20 فبراير، لكن بدأنا نشعر بأن الحركة، بالشكل التي هي عليه الآن، أدت ما عليها، ووصلت إلى سقف ما يمكن أن تعطيه، ولذلك نؤمن بأنه يجب أن نبحث جميعا عن فضاء آخر، ووسائل أخرى أكثر نجاعة للتدافع ولمحاولة انتزاع المكتسبات.
وجاء هذا الشعور انطلاقا من المعطى المشار إليه، ومن أن النظام صم آذانه وحاول طيلة 10 أشهر أن يتجاهل مطالب الحركة، ويلتوي عليها.
قد يكون، ولكن نحن الآن ليس لدينا خيار نفرضه على الناس، غير أن باب الحوار يبقى مفتوحا بين كل الأطراف، وسنتعاون جميعا على تدبير المرحلة المقبلة.
نحن نعتقد أن الحكومة في المغرب ليست هي التي تحكم، وبالتالي لا يمكن الحوار معها بخصوص المطالب المرفوعة.
فالحوار حول الملفات الحقيقية، كالملف السياسي والأمني، ليس بيد الحكومة، وهي تعرف ونحن نعرف والمتتبعون يعرفون بأن هذه الملفات لا يمكن أن تبت فيها الحكومة، سواء التي يقودها بنكيران، أو التي كانت في عهد عباس الفاسي، أو إدريس جطو، ولا غيرها..